الــبــطــالة بــين الــماضــي والــحاضــر

أربعاء, 04/13/2022 - 01:03

البطالة ظاهرة وجدت في أغلب المجتمعات الإنسانية في السابق والحاضر، ولا يكاد مجتمع من المجتمعات الإنسانية على مر العصور يخلو من هذه الظاهرة أو المشكلة بشكل أو آخر. إلا أن النظرة إلى البطالة بوصفها مشكلة اجتماعية تخضع للدراسة والتحليل وفق منظور المنهج العلمي للعلوم الاجتماعية لمعرفة حجمها وتحديد أسبابها وآثارها الاجتماعية في المجتمع لم تتشكل إلا في عام 1933، وذلك عندما عمد )1933) Jahoda et al إلى وصف الآثار المدمرة للبطالة في إحدى مدن النمسا، وتزامنت هذه الدراسة مع حالة الركود الاقتصادي التي عاشتها دول أوروبا بشكل عام خلال فترة 1930.

ومنذ تلك الحقبة الزمنية، التي تشكل فيها الاقتصاد بصورة دولية، أخذت المجتمعات البشرية المعاصرة تعاني مشكلة البطالة بين فترة وأخرى، إلا أن نسب البطالة اختلفت من مجتمع إلى آخر، كما أن كيفية التعامل مع العاطلين عن العمل أخذت أساليب مختلفة من التجاهل التام لهم إلى الدعم الكلي أو الجزئي لوضعهم.

 إن العالم كله بما فيه المجتمع الأمريكي والمجتمعات الأوروبية وهي تعدّ أغنى دول العالم, تشكو من ظاهرة البطالة, وتدعو هي وغيرها من دول العالم وخاصة العالم الثالث إلى عقد المؤتمرات العلمية والاقتصادية لبحث هذه المشكلة التي تعتبر بنظرهم مشكلة مستعصية. 

إن الإسلام بمجموع أحكامه والتي تشكل مجموعة من المنظومات ترتبط بعلاقات بينية لا تستطيع دراسة منظومة منفصلة عن غيرها وتشكل بمجموعها منظومة تشمل علاقات المجتمع برمته, فإذا تعاملنا معه على هذا الأساس نستطيع أن نساهم في حل المشاكل التي تعثر في نظر الكثيرين مستعصيه.

إن مشكلة البطالة هي إحدى مشاكل النظام الاقتصادي, إلا أنها مشكلة اجتماعية تطال الفرد والأسرة والمجتمع, كما أنها مشكلة سياسية تؤرق الدول كما تؤرق الشعوب,فالاستقرار السياسي لا يكون إلا بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

لم يعرف المسلمون هذه المشكلة من قبل إبّان تطبيق الإسلام وسيطرة نظامه على العالم وانفراده في الهيمنة على النظام العالمي ما يزيد على عشرة قرون, وهذه ظاهرة تستحق الدراسة والنظر والتوقف طويلاً.

يرى الاسلام ان البطالة هي: العجز عن الكسب في أى صورة من صور العجز، ذاتياً: كالصغر، والأنوثة، والعته، والشيخوخة، والمرض. 

أو غير ذاتي: كالاشتغال بتحصيل علم، وليس من العجز غير الذاتي التفرغ للعبادة مع القدرة على العمل، وحاجته إلى الكسب لقوته وقوت من يعول، حيث يرى الفقهاء أن مثل هذا التفرغ حرام، أو مكروه) ويمكن تعريف البطالة من خلال تعريف العاطل، فقد عرفت منظمة العمل الدولية العاطل بأنه: "كل من هو قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى" .

 وبذا يمكن القول أن تعريف البطالة بأبسط معانيها: عدم الحصول على فرصة عمل أو وظيفة لكل قادر على العمل محتاج إليه.

وهنا ينبغي الإشارة على أنه ليس كل عاطل يعاني من البطالة ، فقد يكون العاطل لا يبحث عن عمل على الرغم من قدرته عليه ، لأنه لديه إمكانات مادية توفر له حياة رغيدة ، فلا يحتسب ذلك الشخص من ضمن فئة البطالة.

البطالة الاختيارية: وتتمثل في رفض الشخص القادر على العمل للوظيفة، حيث يرى أنها لا تتناسب مع مؤهلاته مثلاً، أو للرغبة في الراحة عند توافر مصدر جيد للدخل وهي وصف للعمال الذين يسحبون خدمة عملهم لقلة المكافأة.

 هذه أهم أشكال البطالة, لأن المشكلة تكمن فيها وهي المشكلة التي تحتاج إلى دراسة واستقصاء وتحتاج إلى حل جذري سريع, وهي التي ترعب الدول وتتسبب بمشاكل كبيرة أقلها زعزعة الأمن وقد تنهار بسببها الأنظمة وتعم الفوضى كما حدث اخيراً في دولة تونس والتي كانت من نتأجها ربيع الثورات العربي.

البطالة الإجبارية: تعرف بانها تحدث رغماً عن الفرد ذاته، فنجد أن الشخص القادر على العمل والراغب فيه يبحث عنه ولكنه لا يجده. 

وتظهر عادة في حالة تسريح العمال أو تصفية الشركات وهي البطالة الحقيقية التي تحتاج إلى علاج وهي ناتجة عن عدم توفر فرص العمل لمن يرغب بالعمل, وتهدف الحكومات في الدول المتقدمة إلى إنقاص نسبة البطالة الإجبارية إلى أدنى حد لها وهو ما يعادل 1.5% من مجموع القوى العاملة.

وتحرص الحكومات المتقدمة في العالم على ما ذكرناه من تنقيص نسبة البطالة إلى أدنى حدها, ومع ذلك فإن الأزمات الاقتصادية التي تفجرت في العالم دون استثناء, نتج عنها مشاكل كثيرة أهمها مشكلة البطالة.

وقد تفاقمت هذه المشكلة في العالم حتى بلغت في الولايات المتحدة الأمريكية-وهي الدولة الأولى في العالم- 7.7 % خلال شهر تموز عام 1992م, قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية لشهر فقط.

ويظهر تفاقم المشكلة وعظمها في إغلاق الكثير من الشركات عشرات فروعها التي تستوعب عشرات الآلاف من العمال مثل شركة جنرال موتورز حيث قامت بتسريح عشرات الآلاف من العمال في أربعة من مصانعها, وكذلك بريطانيا فإن البطالة الإجبارية تتجاوز 7% وظهر ذلك جلياً عندما أعلن رئيس الوزراء إغلاق عدة فروع من مناجم الفحم الحجري حيث بلغ عدد المسرحين من هذه الفروع ما يزيد على ثلاثين ألفاً.أما دول العالم الثالث فحدّث ولا حرج حيث بلغت البطالة على سبيل المثال في الأردن حسب تقرير أعده الدكتور فهد الفانك عن البطالة وتدني الأجور عامي 1988م, 1989م, 16.6 %, 18.3 % على التوالي وكذلك معظم دول العالم الثالث تزيد نسبة البطالة الإجبارية فيها عن 25 % إن لم يكن أكثر من هذا.

البطالة المقنعة: وهي ليست بطالة حقيقية، إنما هي عبارة عن سوء استخدام للأيدي العاملة. ويقصد بها أن قوة العمل التي تشغل بعض الوظائف، لا تؤدي دوراً ملحوظاً، أي عمالة فائضة لا حاجة لها و هي بطالة مستترة وغير ظاهرة، فسرها الاقتصاديون بطرق مختلفة.

 يرى البعض أن البطالة المقنعة تعني"وجود عدد كبير من العمال يشتركون في القيام بعمل أقل من مقدرتهم الإنتاجية"، لأنه لولا ذلك لأصبحوا عاطلين(بطالة ظاهرة في القطاع الحكومي عندما تسعى الدولة لتوظيف إعداد متزايدة خوفاً من البطالة). 

هذا بينما يستخدم البعض الآخر مفهوم البطالة المقنعة لتفسير الزيادة في تعداد سكان الريف عن المستوى الذي يحتاجه العمل الزراعي، ليظهر هذا النوع بشكل واضح في الدول النامية الزراعية ذات التكدس السكاني.

البطالة الدورية: وهي البطالة التي تظهر بسبب الدورة الاقتصادية، وتنتج عن دورية النظام الرأسمالي المنتقلة دوماً بين الانتعاش والتوسع الاقتصادي، وبين الانكماش والأزمة الاقتصادية وهي"تلك البطالة الناشئة عن انخفاض الطلب الكلي على السلع و الخدمات و من ثم العمالة نتيجة الركود الاقتصادي(حين يفضل أصحاب العمل في حالات الركود و الانكماش الاقتصادي الإيقاف المؤقت عن العمل عن تخفيض الأجور).

 إذاً فالبطالة الدورية هي بطالة ناتجة عن التغيرات الاقتصادية الدورية و المتضمنة انخفاض أو قصور في الطلب الكلي، فينخفض الطلب على العمل في مواجهة عدم مرونة الأجور الحقيقية في الاتجاه التنازلي.

البطالة الموسمية: وهي تظهر بسبب تباين المواسم وطبيعة العمل، حيث أن هناك أعمالاً لا يمكن تأديتها إلا خلال مواسم معينة من السنة، ولذ يظل العمال الذين يمارسونها في حالة بطالة بقية السنة، مثل الزراعة، مواسم الحج والعمرة وهي بطالة تنشأ في الصناعات و الخدمات ذات الطبيعة الموسمية للنشاط الاقتصادي، سواء المتمثلة في الظروف المناخية أو الموسمية، كخدمات السياحة الصيفية، موسم الحج و ما إلى ذلك مواسم الأعياد والرحلات.

البطالة الجزئية: وتظهر بسبب الانتقال من وظيفة لأخرى، حيث يكون العاطل في وقت انتظار قبوله في وظيفة جديدة، أو الحصول على إخلاء طرف من الوظيفة القديمة بلا عمل.

البطالة الهيكلية: وهي المرتبطة بهيكلة الاقتصاد، أي الناتجة عن التحولات الاقتصادية من تغير

في الطلب على المنتجات أو من التقدم التكنولوجي، أو انتقال الصناعات إلى بلدان أخرى بحثاً عن شروط استغلال أفضل وربح أعلى و يصعب أحياناً التفرقة بين البطالة الاحتكاكية (الوظيفية) والبطالة الهيكلية، إلا أن الفارق الأساسي و الواضح بينهما هو أن الأولى تنشأ لنقص المعلومات عن عرض العمل والطلب عليه، في حين تنشأ الثانية عن تغيرات واضحة في هيكلية الاقتصاد أو صناعات معينة.

 فالبطالة الهيكلية هي "تلك البطالة التي تنشأ نتيجة وجود تغيرات هيكلية في الاقتصاد نتيجة اختلاف في نوعية الطلب على العمل عن نوعية عرضه في منطقة معينة أو بين المناطق". 

هذا الاختلاف المذكور يترتب عليه عدم التوافق بين الأعمال و الفرص الوظيفية المتاحة و بين الأفراد الراغبين في العمل (مثال: الطلب على العمال الإداريين والفنيين في منطقة كالجبيل أو ينبع مع عدم توافر هذا النوع من العمالة في تلك المناطق و توافرها في المدن الكبرى).

بدأ البطالة من النقطة التي ترتكز عليها سياسات الدولة ونظرتها الى سياسات التشغيل العام فنجد ان انتشار البطالة في مفاصل الدول التي تتبع سياسات خاطئة في التوظيف فتنتشر البطالة في بشكل أكثر في البلدان التي تكون فيها الحكومات ملتزمة بسياسات التعيين والتشغيل وبالذات عندما تعجز الدولة عن إنشاء مشروعات جديدة لاستيعاب العاطلين فتلجأ إلى حشو الجهاز الحكومي بالعاملين التي تفوق قدرة تلك القطاعات على استيعاب هذا العدد الضخم من العمالة التي تشكل ضغطا على التكاليف واهدارا في النفقات الامة نتيجة لتلك الممارسات الخاطئة لمثل هكذا سياسات.

 وقد نجد انتشار نوعا من انواع البطالة الذي يطلق عليه بالبطالة المقنعة وهي تلك البطالة التي تتسم بالتوظيف والتشغيل لاعداد كبيرة من القوى العاملة مع تدني مستوياتهم الانتاجية واقترابها الى الصفر بسبب رغبة الدولة في مجرد تقديم دخول ومرتبات للمواطنين وفق نظرية (ريع المواطنة) فيتم تعيينهم في وظائف غير حقيقية ودون حاجة إليهم في هذه الوظائف.

 الامر الذي يؤدي الى تعطيل جزء هام بل من أهم عناصر الإنتاج هو عنصر العمل والإنتاج على الصعيد الاقتصادي اما على الصعيد السياسي فستؤدي تلك السياسات الى خلق حالة من التحلل من المسؤولية اجتماعياً وسياسياً وحالة من السلبية إذ إن هذه القوى العاملة تكون في الشكل كقوة عاملةولكنهاً عاطلة واقعياً ولا تقوم بأي عمل إيجابي ومنتج ونتيجة الأجور التي تمنح في ظل مثل تلك السياسة - وهي أجور متدنية للغاية - الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الرشوة والفساد.

سياسات التعليم والتوجيه التربوي

تعتبر سياسات التعليم من العوامل التي تساعد على نشوء ظاهرة البطالة في المجتمعات خصوصا فيما لو أخذنا بنظر الاعتبار الاختلال الذي ينتج نتيجة الى عدم تناغم السياسة التعليمية لبلد ما مع متطلبات النمو الاقتصادي لذلك البلد.

 ففي البلدان المتقدمة هنالك نوعا من التكامل مابين مخرجات التعليم ومتطلبات احتياجات التنمية من القوى البشرية ويتبع لذلك من اتباع سياسات تخطيط ممنهجة لقطاعات التعليم فيها.

 كما ان الحاجة الى التعليم العالي امرا ضروريا الامر الذي يعتبره المنظرون بانه دعامة رئيسية من دعامات التقدم والرقي – ليس العبرة بعدد الخريجين منهم بقدر نوعيتهم ومستوى كفاءتهم في الاداء مستفيدين من البرامج التعليمية المتطورة والكفوءة التي تم تلقيها على مقاعد الدراسة بما يتناسب وحاجة العمل وطبيعته الى المهارات والكفاءات اللازمة له. 

ويمكن لنا فهم اثر التعليم في كونه مقوم من مقومات نشوء البطالة من خلال النقاط التالية:

انتشار التعليم الكلاسيكي لدى فئات وقطاعات واسعة من الشباب وعزوفهم او ضعف الإقبال على الدراسات المهنية والفنية التي ترتكز عليها العمليات الإنتاجية داخل المجتمع ولما لها من تاثير مباشر عليها.

 وعليه فان ترشيد الفهم الاجتماعي نحو التعليم المهني امرا غاية في الضرورة في اعادة توجيه وضخ الطاقات الشبابية الى ميادين الانتاج التي تساهم في بناء اقتصادا ناميا ومتطورا.

 التوجه العام للناس ونظرتهم التقيمية للتعليم وتصنيفاته حيث ان الغالبية العظمى من الناس مسلحوين بمفاهيم وموروثات اجتماعية قديمة وذات اثارا تدميرية على طبيعة ونوعية القوة البشرية التي تعتبر على انها مكونا حيويا من مكونات التنمية الاقتصادية حيث ان الغالبية العظمى تنظر الى التعليم المهني بانه ذلك المحيط من التعليم الذي يظم تحت لوائه الفاشلين من الطلبة في تحقيق معدلات عاليه تؤهلهم في الدخول الى الدراسات الكلاسيكية النظرية باعتبارها دراسات ذات قيمة تضفي على من أتموا مراحلها نوعا من الشرف والمقام والاحترام الاجتماعي الذي ليس له اي مردود انتاجي سوى الحاق العديد منهم الى جيش البطالة الذي ينمو بشكل سرطاني يوما بعد يوم.

 فشل او سوء سياسة التخطيط والتوجيه للطلبة الراغبين في مواصلة تعليمهم الى مراحل متقدمة حيث ينتهي المطاف الى اعتماد التوزيع وفق نظام المعدلات دون الاخذ بنظر الاعتبار الرغبات والميول لدى الطالب الامر الذي ينسحب على علاقته مع جو البيئة والمادة التعليمية مما يفضي الى تدني مستويات الكفاءة في الاداء نتيجة الى اختفاء الرغبة والميول.

فالخلل الواضح في النظام التعليمي يؤدي إلى عدم تأهيل المتخرجين لدخول سوق العمل، ويصبح الكثير من حملة الشهادات والتي يفترض بأنها تشكل جواز مرور بالنسبة لهم للحصول على عمل- هي أقل بكثير مما يطلبه صاحب العمل سواء من حيث طبيعة التخصصات المطلوبة أو طبيعة المواد التطبيقية والمهارات التي تؤهل حاملها للانخراط المباشر في العمل.

 ان عدم المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل في البلدان النامية تساهم إلى حدٍ كبير في انتشار البطالة بين المتخرجين كما ان ضعف التخطيط للمؤسسات القائمة على العملية التربوية والتعليمية يتحمل الجزء الاكبر من ظاهرة انتشار البطالة بين المتعلمين.

 ونخلص من القول في هذا المجال ان سوء التخطيط والتوجيه التربوي والتعليمي يعدان البيئة المثالية لانتشار ظاهرة البطالة وهي من مقومات نموها في المجتمع.

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف