هذا ما ستشهده المملكة العربية السعودية في الأيام المقبلة

خميس, 11/01/2018 - 21:07

ليست السعودية في أفضل حالاتها في هذه الايام، حالة الدفاع عن النفس الضمنية التي يعيشها الحاكم بأمره في السعودية في هذه الفترة من تاريخ المملكة الحديث لا بد أن تتمظهر في سلسلة من الاجراءات التي يمكن تسميتها بالـ "الوقائية"، اجراءات لا بد أن تمثل انعطافة - ليس بالضرورة حادة - تؤمن زاوية الانحناء المطلوبة أمام عاصفة هوجاء يستشعر الحكام السعوديون هبوبها، وبدأت تباشيرها مع الازمة الكندية واشتدت مع ازمة "خاشقجي"..و تتمثل الآن بما يمكن تسميته "مربع الضغط ".

الضلع الأول  الامريكي
لا يمكن فصل الضغط الداخلي الذي يتعرض له ترامب في ملف السعودية عن الضغط الامريكي على السعودية، فكلما اشتد ضغط الكونغرس على ترامب سيجد الاخير نفسه مضطرا في مكان ما الى زيادة الضغط على ابن سلمان، و لو نظرنا الى ارتفاع حدة اللهجة الامريكية تجاه السعودية في الأيام الاخيرة سنجد انها ناتجة بدورها عن ارتفاع حدة الضغط الداخلي على ترامب، حيث يتبارى الاعلام الامريكي و اعضاء الكونغرس في اطلاق التصريحات الداعية الى معاقبة حكام السعودية، حتى وصلت الامور الى الدعوات للتحقيق في طبيعة العلاقات المالية بين ترامب و محمد بن سلمان اضافة الى التشكيك في حجم المردود الاقتصادي من الابقاء على العلاقات مع السعودية،وهو الحجم الذي يتهم الاعلام امريكي ترامب بتضخيمه من اجل تضليل الراي العام الامريكي حماية لمصالحه الشخصية الضيقة مع ابن سلمان .

الضلع الثاني الاوروبي 
تحتل "صفقات السلاح" حجر الزاوية في الضغوط الاوروبية على السعودية، لا تبدو اوروبا "باستثناء روسيا" مستعدة حتى للاقتناع بالرواية السعودية، بل تسعى و بشكل يومي الى زيادة الضغط على ابن سلمان عبر سلسة من التصريحات التي اعقبتها بعض الاجراءات المتمثلة في التلويح بوقف صادرات الاسلحة الى المملكة ووصلت الى قطع هذه الصادرات في بعض الحالات، الاوروبيون مستمرون في الضغط على السعودية ارضاء لجبهتهم الداخلية، فيما يسعى ماكرون الى الظهور بمظهر المدافع الشرس عن حقوق الانسان و حرية الصحافة، وميركل تفكر بقاعدة حزبها الشعبية على اعتاب استحقاقات انتخابية، و لا أحد يريد الظهور بمظهر " حامي القاتل".

الضلع الثالث الضغط التركي
لقد جاءت جريمة قتل خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول بمثابة " طاقة فرج" للأتراك الذي كانوا ولا يزالون تحت رحمة ضغط اقتصادي أمريكي، والاتراك المعروفون باستغلالهم أدنى الفرص لم يوفروا جهدا في تأمين أعلى مستويات الضغط على العائلة الحاكمة في السعودية، ضغط لا بد أن يثمر بنظر الأتراك في أكثر من اتجاه، ورغم المكاسب و الاثمان الاقتصادية التي قد تجنيها تركيا من مثل هذا الضغط يبقى المكسب الأبرز في سياق الصراع التاريخي على ما يسمى "زعامة العالم الاسلامي"، و ان كان أردوغان قد استخدم مصطلحا ألطف من "زعامة" حين عبر بالقول "تركيا هي الوحيدة القادرة على ريادة العالم الاسلامي بأسره، بإرثها التاريخي وموقعها الجغرافي وثرائها الثقافي،" وذلك خلال اجتماعه منذ يومين بـ مفتي الولايات التركية.

الضلع الرابع  الداخلي 
ليس الملك سلمان وأبناؤه في أفضل حال داخليا وخصوصا في أواسط العائلة، أصداء "ملحمة الريتز" لا تزال تتردد في أروقة قلوب الأمراء وقصورهم، حالة السخط لدى كبار الامراء واعضاء هيئة البيعة سوف لن يطفىء نارها طرد سعود القحطاني و لا عزل الف عسيري، عودة العم أحمد من لندن بضمانات غربية لا يمكن فصلها عن "الضغوط الداخلية " على ابن سلمان، الحديث عن اهتزاز العائلة الحاكمة و ترنحها يملأ افواه المحللين و صفحات الاعلام الغربي، من يسمون "حكماء آل سعود" ضاقوا ذرعا بـ "طيش" ولي العهد وتفرده وسياساته التي ما انفكت برايهم تسيء الى المملكة و الى مكانة العائلة و استتباب حكمها.

للخروج من مربع الضغط هذا، سيلجأ ابن سلمان ما يسمى في العلم العسكري "الدفاع من جميع الجوانب"، عبر سلسسلة من الاجراءات منها ما تم وضعه حيز التنفيذ و بعضها الآخر قد نشهده في الأيام المقبلة .

أولا : وضع حد للحرب في اليمن 
يؤمن هذا الاجراء لابن سلمان سحب ذريعة البعض المنادي بمسؤولية المملكة عن الجرائم ضد الانسانية المرتكبة في اليمن، ويغلق أحد نوافذ الانتقادات العالمية سواء عبر المنظمات او الدول، كما يخفف انهاء هذه الحرب من استنزاف مقدرات المملكة عسكريا و اقتصاديا و يخفف من نزيف الدم السعودي  واليمني ،ما يمكن استغلاله ايضا داخليا عبر ترييح المجتمع السعودي من ويلات هذه الحرب .
و قد بدأت ملامح هذا الاجراء بالظهور عبر الدعوة المباشرة التي وجهتها امريكا بالأمس لوقف "فوري" للاعمال القتالية في اليمن .

ثانيا: انهاء الحصار على قطر 
يسعى ابن سلمان من خلال هذا الاجراء الى الظهور بمظهر الديبلوماسي الذي يعمل من اجل تحسين العلاقات مع الجيران، وهو تحت تأثير الشعور بالضيق و الضغط الدولي و التركي سيسعى الى فتح  كوة في الجدار مع قطر، عسى ان يمكنه ذلك في التخفيف من هذه الضغوط مستندا الى العلاقات القطرية - التركية القوية، هو قد بدأ فعلا بمغازلة قطر خلال انعقاد ما يسمى "دافوس الصحراء" و أوفد وزير خارجيته اليها وأتبعه بالامير خالد الفيصل مبعوثا خاصا من الملك.

ثالثا:اجراء سلسلة تعيينات جديدة في الحكم 
من المتوقع أن يسعى ابن سلمان الى التخفيف من غضب بعض الاجنحة الفاعلة  في العائلة الحاكمة من خلال اجراء سلسة تعيينات " مرضية" في الحكم، و يتوقع مراقبون أن تكون أولها وزارة الخارجية عبر الاتيان بوزير مقبول من العائلة قد يكون الامير خالد الفيصل لما يتمتع به من مقبولية و نظرا للدور الفاعل الذي يتولاه حاليا في ما يتعلق بأزمة خاشقجي، وسيؤجل بعض الخطوات التي قد تعتبر استفزازية و ان كانت مقررة مسبقا كتنحية والده واستلام زمام الملك او تعيين أخيه سفير المملكة في واشنطن خالد بن سلمان وليا لولي العهد .

وقد يذهب ابن سلمان الى ابعد من هذا بكثير خصوصا على صعيد انهاء التوتر في  العلاقات مع الكويت و تعزيز العلاقات مع روسيا و فتح خط تواصل سري مع ايران 

الا ان ما تقدم اعلاه يبقى في اطار التحليل والمحاكاة الذي قد يطيح به قرار بالهروب للامام، ومع وجود من افتعل "ملحمة الريتز" و أشعل "حرب اليمن" و قرر "حصار قطر" و ارتكب "مجزرة خاشقجي" في الحكم تصبح خيارات " مجنونة" مثل اشعال حرب جديدة في المنطقة او قتل المزيد من المعارضين مطروحة على الطاولة، وهو ما ستكشفه الايام المقبلة.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف