بن سلمان من مغامر وهاوي حروب لحمامة سلام

ثلاثاء, 12/18/2018 - 08:41

عندما صحا العالم صبيحة 23 يناير 2015، كان الخبر الأكثر تردداً: سلمان بن عبد العزيز يُتوج ملكاً للسعودية ويعين ابنه ذا الـ 29 عاماً وزيراً للدفاع. ويومها كان الأمير محمد بن سلمان جديداً على عالم السياسة، إذ يحمل شهادة بالقانون الخاص وعمل بشركات تجارية. وبينما كانت مراكز صنع القرار الدولي تتحرى المعلومات عن وزير الدفاع الصغير، ظهر ابن سلمان وهو يمسك بيده علبة كبريت وما إن يضرم النار بمنطقة حتى يشعلها بمنطقة أخرى أكثر خطراً وأوسع نطاقاً.

وفي يوم 26 مارس 2015 شن ابن سلمان عاصفة الحزم ضد الحوثي في اليمن،لتتحوّل لحرب مدمّرة أودت بحياة الآلاف ودمرت مدناً شيدت قبل مئات السنين. وصبيحة 29 أبريل من ذات العام، بدأ الأمير الشاب رحلته متجهاً نحو العرش، فصدر مرسوم جديد بتعيينه ولياً لولي العهد. ومن منصبه الجديد، أصبح يدير حربين: خارجيّة ضد اليمن، وداخلية ضد استقرار السعودية، معتمداً على توجيهات من ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد. وعندما أصبح دونالد ترامب رئيساً مطلع 2017، اطمأن ابن سلمان لمستقبله السياسي وأوحت إليه ذاته بأن ضخ المال بخزائن واشنطن سيمدّه بالقوة لإشعال المزيد من الحرائق وسحق كل من يعترض طريقه إلى التتويج ملكاً. واصل ابن سلمان صب الجحيم على اليمن. وبعد أن كان يعتزم طرد الحوثيين من صنعاء، طلب النجدة لحماية السعودية من الحوثيين الذين يمطرون نجران بالقذائف وتصل صواريخهم للرياض.

حرق الخليج

وفي الخامس من يونيو 2017 أضرم ابن سلمان النار بمجلس التعاون الخليجي فأعلن حصاره على قطر براً وبحراً وجواً، وسارت بركبه مصر والبحرين والإمارات. وبالتوازي مع جبهتي قطر واليمن، هوى بمعول الهدم على البيت السعودي في الـ 21 من ذات الشهر، فانقلب فجراً على ابن عمه - الضليع بشؤون الأمن - ولي العهد ووزير الداخلية حينها الأمير محمد بن نايف. وبعد أن أصبح ولياً للعهد، شنّ حملة اعتقالات ضد العديد من الأمراء بتهمة ضلوعهم في الفساد بينما تقول التقارير إنه أطاح بهم وأذلهم لكونهم يمثلون تهديداً لطموحه باعتلاء العرش. كان ذلك مطلع نوفمبر 2017. وفي ذات التاريخ أيضاً احتجز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي قيل إنه تعرض للتعذيب وأُجبر على الاستقالة، مما أدخل السعودية بأزمة قوية مع لبنان. ولم تنته الأزمة إلا بغضب رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون. وانشغل ابن سلمان بالشأن الداخلي لتعزيز نفوذه بينما ترك لقواته مهمة إمطار اليمن بالقذائف. وحصارها وتجويعها وقتل نسائها وأطفالها. وحينما أثارت سياساته استياء السعوديين، قرر تحييد أبرز المفكرين والناشطين، فزجّ بهم في السجون.

إسرائيل والسينما

وحسب تقارير عربية وغربية، فإن ابن سلمان كان يستهتر بكل هذه المخاطر ويعتمد على ثلاث ضمانات: تقرّبه من إسرائيل، سخاؤه المالي تجاه ترامب، إجراءاته الانفتاحية الجديدة بالمملكة كافتتاح دور السينما والسماح للمرأة بقيادة السيارة وتنظيم الحفلات الموسيقية. وفي مارس الماضي، جاب ابن سلمان عواصم الغرب، وواشنطن وفي هذه الرحلة، التقى بقادة اللوبي اليهودي وأكد لهم عزمه توطيد العلاقات مع دولة مغتصبة وتقتل الفلسطينيين يومياً وتمنع عنهم الغذاء والدواء. ووفق تسريبات فإن ابن سلمان خاطب قادة اليهود في نيويورك قائلاً “أولويتنا إيران وليست القضية الفلسطينية. الفلسطينيون أضاعوا الكثير من الفرص وعليهم قبول ما يعرض عليهم. وإلا فليصمتوا ويتوقفوا عن التذمر”. وخلال وجوده في الولايات المتحدة، نشطت شركات الدعاية في تغييب محنة اليمن وركزت على تجميل وجه الأمير الشاب ببعض المساحيق. لكن ابن سلمان لم يحسن استخدام الماكياج، فأوقد ناراً جديدة في تركيا فجرح كبرياء الرئيس رجب طيب أردوغان وتورّط بخصومة أبدية مع صحيفة واشنطن بوست. فقد قتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول على يد فرقة الموت وقطعوا جثته على أنغام الموسيقى ثم تخلصوا منها. وبعد إنكار اعترفت السعودية بالجريمة لكنها أنكرت ضلوع ابن سلمان وأعلنت اعتقال عدة أشخاص.

الجراحة التجميلية

ولأن إنكار الرياض ودفاع ترامب لم يقنعا الكونغرس ولم يجبرا كبرياء أردوغان، أدرك كفلاء ابن سلمان أن المساحيق لم تعد مجدية وأنه لا مناص من إخضاعه لجراحة تجميلية تحوّله من مجرم حرب إلى حمامة سلام. وعلى نحو سريع، بدأ ابن سلمان يبحث عن مخرج من حرب اليمن لغسل يديه من دماء الأطفال اليمنيين، ومن تبعات قصف المدارس والمستشفيات وصالات الأفراح ومجالس العزاء. فتوصل طرفا الصراع لوقف لإطلاق النار في الحديدة. وعلى الفور حاول السعوديون تحويل الاتفاق إلى نصر يتوج بن سلمان بطلاً للسلام، بينما لا يزال تقطيع جثة خاشقجي يتفاعل بوسائل الإعلام ويثير مخاوف زعماء العالم. وسخر آخرون من تصوير بن سلمان بطلاً للسلام. وكتب حساب “نحو الحرية” الذي يهتم بالشأن الحقوقي في المملكة “النظام السعودي يسفك الدماء في اليمن ويحاصر الأشقاء في قطر ويتآمر على الأحرار في تونس ويفتعل الأزمات في لبنان ويدعم السيسي الذي يحاصر غزة.. ثم يزعم بكل وقاحة أنه ينشر السلام”. ورغم مساعي جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي لتغيير “ملامح” محمد بن سلمان، هناك أطراف عديدة لا تبدو مقتنعة بمحو خطايا الأمير وتحوّله في طرفة عين إلى حمامة سلام.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف