أركــان الــديــمــقــراطــيــة وصــورهــا

أحد, 03/26/2023 - 15:02

لقيام الديمقراطية النيابية لا بد من وجود مجلس منتخب من الشعب، له سلطات حقيقة تمكنه من المشاركة في إدارة البلاد، خاصة التشريعية منها، فإن لم يتمتع بسلطات حقيقية فإن النظام لا يكون نيابياً، وإن كان المجلس منتخباً، كما هو شأن المجالس الاستشارية التي تقوم بتقديم المشورة للسلطة التنفيذية دون التزامها بأمرها، لذا؛ فإننا نرى أن إسرائيل ُتطلق على المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب (المجلس الإداري)؛ لأنها لا تعترف له بصلاحيات المجالس النيابية الحقيقية؛ لأن هذا يُعدّ من مظاهر سيادة الدولة التي لم تعترف بها حتى الآن، وقد يكون هذا تطبيقاً لبنود اتفاقيات أوسلو.

 أن يكون المجلس المنتخب له كيان معنوي مستقل عن مجموع إرادة الناخبين، يباشر مهامه باستقلال عن هذه الإرادة، فدور الناخبين ينتهي باختيار الممثلين، ولا يملكون بعد الانتخاب عزل الممثلين؛ أي حل البرلمان، أو عزل رئيس الجمهورية، أو حتى الادعاء أن القانون الصادر عن البرلمان المنتخب يخالف إرادة الأمة، لأن الذي يعبر عن إرادة الأمة من الناحية القانونية هو البرلمان المنتخب وحده، وإذا ما رغب الجمهور بحلّ البرلمان، ليس له إلا أن يتوسل لمن بيده حَله طبقاً للدستور؛ كأن يكون رئيس الدولة، ليستخدم صلاحياته الدستورية بحله. 

 لا بد أن تكون مدة البرلمان محددة، فالبرلمان هو المعبر عن رغبات وميول الشعب، ولصدق هذا التعبير ينبغي الرجوع إلى الشعب من وقت لآخر، في مدة ليست بالطويلة ولا القصيرة، حتى يتمكن الشعب من مراقبة البرلمان، من خلال إعادة انتخابه مرة أخرى، وهكذا، فإطالة المدة تحول دون مراقبة الشعب للبرلمان، كما أن تقصير المدة، تضعف من استقلاليته، وتضاعف من خضوع النوّاب للناخبين رغبة في إعادة انتخابهم مرة ثانية، فلا بد أن تكون المدة وسطاً بين الأمرين، والغالب يحدد في البرلمان بأربع سنوات أو خمس، كما هو الشأن بالنسبة لمدة المجلس الفلسطيني، التي هي خمس سنوات، والأصل أن يُعاد انتخاب المجلس مرة ثانية لمدة جديدة، ولكن تمّ تجديد المدة للمجلس لعدم استقرار الأوضاع، وللضرورة التي اقتضت ذلك. 

 النائب في الديمقراطية النيابية ليس ممثلاً عن الناخبين في دائرته، ولا وكيلاً عنهم، يأتمر بأمرهم، ويلزم رأيهم، لهم حق عزله متى رغبوا في ذلك، بل هو ممثل عن الأمة بأسرها، يضع نُصب عينيه الصالح العام عندما يُبدي رأيه وإن خالف رأي ناخبيه، أو مصالحهم، وعلى خلاف ما كان سائداً في فرنسا قبل الثورة الفريسة، حيث كان النائب لا يمثل إلا الناخبين في دائرته الانتخابية، يأتمر بأمرهم، ويلتزم رأيهم، ويحرص على تحقيق مصالحهم، فهو وكيل عنهم، لا يجوز له أن يخرج عن حدود وكالته، وإلا كان لهم حق عزله، واستبدال غيره، فقد كان النائب يوقع استقالته على ورقة بيضاء يسلمها للناخبين، لتكون تحت تصرفهم، يستخدمونها متى أرادوا، مما يجعل النائب تحت سيطرة الناخبين الفعلية؛ يخطب ودّهم، ويتقيّد بآرائهم لضمان بقائه مدة الانتخاب، أو إعادة انتخابه مرة ثانية.

هذه الصورة هي أقدم صور الديمقراطية، ويُعبر عنها بالديمقراطية المثالية، وفيها يتولى أفراد الشعب مباشرة بأنفسهم جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهي التي كانت مطبقة عند اليونان قديماً، حيث كان المواطنون الأحرار الذكور الذين لهم حق مباشرة الحقوق السياسية يشكلون الجمعية الشعبية، يجتمعون في السنة عدة مرات، بطريقة دورية منتظمة، لإدارة شؤون البلاد داخلياً وخارجياً، فينظرون في وسائل السلم والحرب وإبرام المعاهدات، وتشريع القوانين، وتعديلها، وتنفيذها، وتولية الرتب، وتعيين القضاة وتسيير الأمور العامة.

 وهذه الصورة من الناحية العملية يتعذّر تطبيقها الآن؛ لصعوبة جمع الناس في صعيد واحد، لبحث الأمور التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولتعذر مباشرة الشعب بنفسه جميع وظائف الدولة، بل إن ممارسة الشعب بنفسه للوظائف الإدارية يكاد يكون مستحيلاً، لذا، فإن هذه الصورة لم تعُد قائمة الآن، إلا في بعض مقاطعات سويسرا قليلة العدد.

الديمقراطية النيابية هي الصورة السائدة في العالم الآن، وفيها لا يتولى الشـعب مباشـرة حكم نفسه بنفسه، كما في الديمقراطية المباشرة، وإنما يمارس الحكم ووسـائله وإدارة شـؤون البلاد عن طريـق نوابه وممثليه الذين انتخبهم.

تقوم الديمقراطية شبه المباشرة على أساس وجود برلمان منتخب، يمارس مهامه وصلاحياته، ولكن بعض الأمور الهامة تُرد إلى الشعب ليقول كلمته فيها، فالناخبون في ظل هذا الشكل من أشكال الديمقراطية يشكلون سلطة رابعة إلى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبهذا يزداد نفوذ الناخبين على حساب البرلمان، كأن يكون للشعب حق الاستفتاء التشريعي، أو السياسي، كأن يكون الاستفتاء على قانون دستوري أو عادي، أو الاستفتاء على أمر من أمور السياسة غير التشريعية، أو أن يكون للشعب حق الاعتراض على قانون معين في مدة معينة، يصبح القانون نافذاً إذا مضت المدة دون اعتراض عليه، وإلا وجب رده حال الاعتراض عليه إلى الجهة التي أصدرته للنظر فيه ثانية، أو كحق الشعب في اقتراح القوانين، ويُسمى بحق الاقتراح الشعبي، وإلزام البرلمان بمناقشتها، أو عزل رئيس الجمهورية، وإقالة النائب، أو حل البرلمان، ففي هذه الصور وغيرها، حسب ما يقرره دستور الدولة، يكون للشعب باعتباره صاحب السيادة مباشرة تلك المهام، وإن كانت في الأصل في ظل الديمقراطية النيابية من اختصاص البرلمان

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف