حكومة علي وشعب معاوية 

أربعاء, 04/04/2018 - 07:42

عندما يتصدر المشهد المجتمعي ضبابية الرؤى، وفقدان معالم دقة ووضوح الطرق والسبل، فيختلط الحق بإناء الباطل، ويطيب مشربهما بلا وعي وتميز بين الناس، يستحكم الأمر بالرجوع الى مباني وأساسيات الموقف، للبدأ بانطلاقة جديدة وبأدوات: أبسط فهم, وأكثر مصداقية و حجة في المجتمع، يمكن من خلالها تصحيح المسار، وإرجاع الحق بفصله عن الباطل، وبالتالي الابتعاد عن تلكم الضبابية، وتوظيف الدقة والوضوح في المشهد، سواء على الصعيد المجتمعي او الديني او السياسي.

الأمام الحسين (ع)، عندما وجد بني أمية في موقف لا يحسدون عليه، من غياب العقل, واضمحلال الفكر, وفقدان معالم الرؤى، بفعل ضبابية إعلام السلطة وسطوة الحاكم الاموي آنذاك! أرجعهم الى حيث بساطة الأدوات، وقوة الحجة والدليل، وفي موقفين واضحين، الاول: عندما إستشعر إجماعهم على قتله قال: (يا أيها الناس؛ انسبوني من أنا؟ ثم إرجعوا الى أنفسكم وعاتبوها، وأنظروا هل يحل لكم قتلي؟ وإنتهاك حرمتي، ألست أنا إبن بنت نبيكم، وأبن وصيه وأبن عمه، أول المؤمنين بالله.....الخ )، والموقف الثاني عندما تجردوا عن أخلاقياتهم وتوجهوا نحو عياله ونساءه بالنار فصرخ فيهم:( إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد! فكونوا أحرارا في دنياكم، وأرجعوا الى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون، أنا الذي أحاربكم وتحاربونني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وجهالكم من التعرض لحرمي مادمت حيا).

ما يحصل اليوم في المشهد العراقي، وعلى مختلف ألأصعدة، بما يشمل: (المجتمع والدين والسياسة)، يعاني من ضبابية الرؤى! وفقدان معالم الدقة والوضوح في السبل، وبأوسع نطاق وأكبر حجم جماهيري، والسبب جدا واضح وصريح وهو "هيمنة الموقف السياسي، على ثوابت المجتمع والتحكم به، بأستخدام أدوات الدين، مما زرع في نفوس الجماهير، وعلى مساحة قلب وعقل الفرد الواحد، فكرتين متناقضتين بالأساس، منشأهما الدعوة الى (الدولة المدنية)، وهما أما نريد حكومة تشبه (حكومة علي ابن ابي طالب) أو نريد حكومة تشبه (الحكومة العلمانية الشيوعية)!

النكتة او الطريفة هنا، ليس في منشأ الفكرتين المتناقضتين في داخل فكر الشخص الواحد، بقدر ما تكمن بأن هذا الشخص الواحد، هو اصلا غير مهيأ مع نفسه لأستقبال أحد تلك الأفكار! والتعايش معها بصورة طبيعية! لأن هذا الشخص وهو ما يمثل الاغلب الأعم فكرا في مجتمعنا اليوم، وجد الدعوة الى هاتين الحكومتين، كحلول( ناجعة) وليس (ناجحة)! والحلول (الناجعة) تختلف كونه يراها الحل الذي لا يوجد قبالته او معه حلول اخرى! تقبل فكرة التطبيق، عكس الحلول الناجحة التي تعطي الدور لأكثر من حل واحد، وبذلك هو هروب من شيء واقع الى أخر محتوم! دون التعرف على أدنى المستويات في سلبيات وإيجابيات ومساوئ تطبيق أحد تلكم الحكومتين.

قبل البدأ في الوقوف على أساسيات وأبجديات كل حكومة على حده، لابد لنا ان نعرف ونثق ونلتزم بأن حكومة "علي ابن ابي طالب" هي حكومة مدنية بحد ذاتها، بعيدا عن عسكرة المجتمع، وصهره بمفاهيم الدين، فالإسلام منشأ الدولة المدنية، التي تدعوا للتعايش السلمي بين المجتمعات والطبقات والأقوام، واحترام حقوق الآخرين ومنه جاءت اصل التسمية بالتمدن ( وجاء من اقصى المدينة ) وللقرأن حديثه بذلك ونصه ( لا اكراه في الدين...)، وأما الحكومة التي يُدعى أليها اليوم بأسم (الدولة المدنية) من منشأ "علماني" هي دولة انحلال واضمحلال للقيم والأخلاقيات! وإبعاد وتغييب للدين! كما حصل من قبل وتجردوا عن دينهم، في قتل (الحسين ابن علي) في كربلاء، وبنص قول الامام كما أشرنا مسبقا: (( إن لم يكن لكم دين...!! فكونوا أحرار في دنياكم))، اذن فمن قتل الحسين (ع) لم يكن لديه دين، فكيف لمن يبكي الحسين، ان يتقبل فكرة حكومة قد تقتل الحسين مرة أخرى! وهذا هو سر التناقض بعينه.

هذا بحد ذاته ليس اتهام، بأن الدولة العلمانية أو الشيوعية المدنية، هي من قتلت الحسين (ع)، بل هو إيصال فكرة، بأن غياب الدين, والأخلاقيات, وركائز الأواصر والارتباط من نفوس المجتمع، هو السبب في ذلك، وبنص قول الأمام كما أشرنا، الدعوة العلمانية لقيادة الحكومة في العراق، تعتزم مصطلحين كركيزة أساسية لقيادة المجتمع، وهما (المواطنة) و(الثقافة)، وبمجرد أن يقرأ أي شخص كتابين فقط، يتحول بين ليلة وضحاها الى ( مواطن مثقف يؤمن بالعلمانية، ويدعوا الى انكار الله والإلحاد بالدين عن طريق السياسة)..! وإذا ما رجعنا الى أصل وواقع هذين المصلحين، نجدهما مجرد شعارات خاوية في فم (المتعلمنين)! بدليل أن المواطنة تعني: حب الوطن والتضحية لأجله، ففي الوقت الذي يتعرض به الوطن الى الارهاب طوال (4) سنوات، لم يكن للعلمانيين حسيسا ولا نجوى! ولم تثر فوهة بندقية علمانية واحدة! في صدر داعشي او إرهابي، أما مصطلح الثقافة فلا يعدوا من ان يكون مبرر لسب الذات الالهية، وإنكاره وإباحة الخمر والقمار والفواحش، بفحوى ودعوى الثقافة العصرية والتطور والحرية والديمقراطية.!

اما عن من يطالب بحكومة، تشبه حكومة (علي ابن ابي طالب)، فنقول له: هل لديك الاستعداد بأن تشارك في الإنتخابات القادمة؟ وتختار علياً بنفسك، كون علي هو الشخص الوحيد من بين الخلفاء، أتى بطريقة الأنتخابات! وهل لديك الأستعداد؟ بأن من تنخبه ممثلا عن "علي"، ليس ملزماً بأن يوفر لك ما تريد، من مصالحك الشخصية! كما فعل (علي) مع أخاه (عقيل)، وهل لديك الأستعداد بأن تعيش في ظل حكومة "علي" و أنت تشبه "عمار إبن ياسر" في فقره! هل لديك الاستعداد بأن تعيش حياة "سلمان المحمدي"، يُقرح حجر المجاعة بطنه! هل لك الاستعداد ان تعيش حياة "أباذر الغفاري" في شدة حرمانه؟! هل لديك الاستعداد ان تلتزم بقوانين "علي"؟ وتحترم عدوك! كما فعل في صفين ونهاهم عن سب اعدائهم بقوله( قولوا اخواننا (أنفسنا) بغوا علينا)! هل لديك الاستعداد؟ عندما يبصق بوجهك عدوك، تتركه قليلا !لكي لا تنتقم منه لنفسك، ويكون إنتقامك لله! هل لديك الاستعداد ان تعيش حياة زوجة وأولاد علي؟ هل لديك الاستعداد أن تُكرم قاتلك بما تأكل وتشرب؟! هل لديك الاستعداد ان تترفع عن السب والشتم والتشهير في الاخرين؟ كذبا وبهتانا وسذاجة وجهل؟

وأخيرا نقول: بأنه لا يمكن لنا بأن نطالب بحكومة تشبه (حكومة علي ابن ابي طالب) ونحن شعب نشبه (شعب معاوية ابن ابي سفيان)، بدليل إن شعب معاوية أعتاد أن يأكل اللقمة مع "معاوية" لأنها أدسم، ويصلي خلف "علي" لأنها أتم إن لم يقنعه معاوية بأن "علي" لا يصلي! ومن المؤسف أن تجد الشخص، يطيل النظر في مصدر علبة طعام نغذي جسده، ولا يفكر بالنظر في مصدر معلومة تغذي عقله! وبذلك يعيش دور (الساذج, او المغرر به, أو المنافق)، يتدين بدين "علي" ويتعبد على سياسة "معاوية"! وبذلك هو يراهما على نفس الطبق! لأن السياسة جمعتهما على نفس الطاولة، وشتان ما بين (علي الحق) و(معاوية الفاجر)، وأذا ما وجدنا أنفسنا شعب يشبه (عمار والمقداد ومالك وصعصعة وسلمان وأباذر)، بتدينهم وإيمانهم وتقواهم وصبرهم على حكومة (علي)، علينا أن نطالب بحكومة تشبه حكومتهم، وإذا ما وجدنا انفسنا على استعداد لأن نتخلى عن الدين, والأخلاقيات, والرسالة السماوية, وان نكون على استعداد لقتل الحسين أو من يمثله، فعلينا ان نطالب بحكومة تشبه (حكومة العلمانية الشيوعية).

ختاما نقول:(علي) مؤسسة دينية وسياسية متكاملة، افرزت لنا مجموعة من دساتير وقوانيين العالم اليوم، ومن يمثل (علي) في مؤسسته الدينية هي المرجعية العليا، والمرجعية تدعونا الى تجاوز أخطر امرين في هذه المرحلة الأنتخابية، وهما أولا: ترك التنافس الانتخابي السياسي والمجتمعي بالتسقيط اللااخلاقي والتهم والتزييف والكذب والتدليس والإعلام المضلل، وثانيا: المشاركة في الأنتخابات والبحث عن القيادة الصالحة التي اشارت اليها في الخطب السابقة، ومن المؤسف ان نجد تلك القيادة الصالحة تقع ضحية تنافس إنتخابي غير أخلاقي من جهة، ومجتمع جاهل أو مغرر به من جهة أُخرى، وبذلك فقدنا التوازن طيلة هذه الفترة، في إختيار من يمثلنا، وجعل اسمه في صناديق الأقتراع، لنحظى بحكومة وشعب، يشبه حكومة وشعب ( علي ابن ابي طالب).

وليد كريم الناصري
 

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف