دموع الرجال

أربعاء, 12/03/2025 - 07:00

 

ولاء العاني

في لحظاتٍ استثنائية من تاريخ الشعوب، تتحوّل دموع الرجال من انكسارٍ إلى شهادة ومن وجعٍ إلى خطابٍ فلسفي يدوّن ما لا تدركه الكلمات . فعندما يُختصر التاريخ وتضيع التفاصيل الدقيقة التي كانت تسعى إلى تفسير الوجع يصبح البكاء في تلك اللحظة فعلًا وجوديًا يتجاوز العاطفة ليغدو موقفًا من الوجود نفسه . لأنها تنحدر على وطنٍ جريح، لكنها لا تسقط بلا معنى؛ فهي تُعلن بضجيج الصمت أن هناك أرواحًا اختارت المجد طريقًا وأن هناك من قرر أن يكتب اسمه في ذاكرة الأرض لا على صفحات الورق .

في يوم الشهيد تتقاطع هذه الدموع مع أسئلة الفلسفة الكبرى:

ما معنى الفناء؟ ما معنى البقاء؟

كيف تكون حياةٌ تُعطى قربانًا سببًا لخلود وطن؟

الشهيد عندنا ليس شخصًا رحل، بل فكرةٌ بقيت . إنه ذاك الكائن الذي قرر أن يتحدى هشاشة الجسد ليمنح الآخرين صلابة البقاء . هو الذي فهم أن الخلود ليس زمنًا طويلًا، بل أثرًا عميقًا. والشهيد العراقي عبر امتداد التاريخ هو شاهدٌ على أن التضحية ليست حدثًا عابرًا، بل نسق حضاري تشكّل مع كل معركة دافع عنها أبناء الرافدين منذ فجر الحضارات . وفي مواجهة الفناء تنحني الحياة أمام القامات الشامخات فتمتزج الرهبة بالعظمة وينقلب الصمود إلى جرحٍ ينزف ليذكّرنا بأن الحرية ثمنها الألم وأن الكرامة لا تُصنع إلا بدماء الصامدين . تلك الدموع التي تذرفها الأمهات والآباء والرفاق ليست ضعفًا، بل اعترافًا صريحًا بأن الإنسان مهما بلغ قوته يظل عاجزًا أمام قُدرة الله وعدله وحكمته .

وفي هذا اليوم نرفع أكفّ الدعاء لا من باب الحزن وحده، بل من باب الامتنان أيضًا. نقول : اللهم إليك نرفع دعاءنا، أن تحفظ العراق أرضًا ومياهًا وسماء وأن ترحم شهداءه الذين ارتقوا ليبقى الوطن وأن تكرم شعبه بوافر العطاء والسلام .

إن يوم الشهيد ليس ذكرى؛ إنه مرآة نرى فيها أنفسنا :

ما الذي بقينا نحمله من قيمهم؟ ما الذي نستطيع أن نقدّمه ليكون جديرًا بدمائهم؟
إنها دعوة لتجديد العهد مع الوطن، لا بالكلمات فقط، بل بالوعي والإخلاص والعمل . وهكذا يبقى الشهيد ابن تاريخٍ مستمر وتبقى دموع الرجال عنوانًا لفلسفة لا تموت :

أن الوطن أكبر من أجسادنا لكنه ليس أكبر من أرواحنا حين نختار له الحياة .

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف