الكيان الصهيوني وإثيوبيا يضعان خطة ضد مصر

جمعة, 12/05/2025 - 20:29

 

الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي

الشرق الأوسط منطقة غير هادئة, كل يوم حدث جديد, حروب وصراعات لا تنتهي, واخرها هو  التصعيد الغريب من الكيان الصهيوني ضد مصر, وهي حليفهم وصديقهم, والغريب تصعيد صهيوني يتناغم مع تصعيد اثيوبي ضد مصر! وصراعهم الأزلي حول مياه نهر النيل, فهل نحن بانتظار حدث ضخم سيغير خريطة المواقف في المنطقة؟ يساورنا شعور بالقلق حيال التزامن المريب في تصعيد حدة التصريحات, من كل من الكيان الصهيوني وإثيوبيا ضد دولة مصر, في يوم واحد وبنبرة تكاد تكون موحدة، مما يوحي بوجود تحضير لحدث ضخم يجري في الكواليس.

ويأتي هذا التصعيد بالتوازي مع تصريح سابق لرئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، الذي أشار فيه إلى رغبته في عفو شامل عن قضاياه القانونية؛ لأن أحداثًا ضخمة ستقع في المنطقة قريبًا.

 

 

·     مناورة صهيونية لفرض التهجير

شهدت الساعات الماضية محاولة صهيونية خطيرة لإحراج مصر وخلق أزمة على حدودها, ان الإعلان المفاجئ والكاذب الذي اطلقه الصهاينة, حيث أعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني، عبر صفحة "المنسق" الحكومية، عن فتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر تحت إشراف أوروبي و"بتنسيق مع القاهرة", ولم يكن هذا التصريح الصادم كاذبًا فحسب، بل كان محاولة مكشوفة لإظهار مصر وكأنها ترفض استقبال لاجئين هاربين من الموت، ويهدف إلى إحراجها أمام المجتمع الدولي لدفعها نحو القبول بملف التهجير القسري لسكان غزة.

اما الرد المصري الحاسم جاء فوريًا وحاسمًا؛ حيث نفت هيئة الاستعلامات المصرية الخبر تمامًا. وأكد مسؤولون مصريون عدم التوصل لأي اتفاق من هذا النوع، مشددين على أن أي اتفاق يجب أن يشمل "فتح المعبر في الاتجاهين لتمكين من خرجوا للعلاج من العودة إلى أرضهم"، وأن مصر تتمسك بخطة سابقة تضمن ذلك.

وبعد الرفض المصري، نقلت القناة 12 الصهيونية تصريحًا لمسؤول صهيوني قال فيه: لو مصر لا تريد ان تستقبل سكان غزة فهذه مشكلتها!. تُعد هذه الجملة أخطر تصريح صهيوني ضد مصر منذ فترة طويلة، كونها تُحوّل الملف من مجرد ضغط سياسي إلى محاولة لفرض واقع ديموغرافي بالقوة، وهي خطوة وصفتها الدبلوماسية المصرية سابقًا بأنها "تنسف أساس السلام نفسه".

 

 

·     ما الهدف من ضغط نتنياهو؟

دعونا اولا نتساءل ما هي دوافع نتنياهو للبحث عن "أزمة جديدة"؟ .. والجواب : أن نتنياهو يسعى عمداً لإشعال أزمة أو نقطة اشتباك جديدة. ويُرجع ذلك إلى سببين رئيسيين:

اولا: محاولة الى قلب طاولة اتفاق وقف إطلاق النار: حيث يرغب الى إلغاء أو تخريب أي اتفاقيات حالية أو محتملة لوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى فلسطينيين (ان وجدت)، والعودة إلى التصعيد العسكري... والامر الاخر هو أن اتفاق وقف إطلاق النار، أو الالتزام به، يقوّض أهدافه المعلنة, أو يمنحه مجالاً أقل للمناورة السياسية والعسكرية لذلك يسعى لاثارة مناطق جديدة للصراع.

ثانيا: استراتيجية الأزمة: يعتبر خلق أزمة جديدة (أو توسيع الصراع) استراتيجية سياسية قديمة تُعرف بـ "تكتيك تحويل الأنظار" (Diversionary Tactic). فبدلاً من أن يركز الرأي العام على فشل الإدارة الحالية في تحقيق أهدافها الأمنية والعسكرية، يتحول الاهتمام إلى "الخطر الجديد" أو "المعركة الوجودية" الجديدة التي يجب على الجميع التكاتف خلف القيادة الحالية لمواجهتها. هذا يمكن أن يمنح نتنياهو وقتاً أطول في السلطة أو يقلل من الضغط الداخلي المطالب باستقالته.

 

 

 

·     البيان الإثيوبي يتجاوز الأعراف الدبلوماسية

في تزامن لافت للاهتمام, في نفس وقت مع التصعيد الإعلامي الصهيوني ضد القاهرة، أصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بيانًا عدائيًا تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية، مما يوحي بوجود تنسيق خفي بين الطرفين:

حيث وصف البيان دول منطقة القرن الإفريقي بأنها "دول عميلة وضعيفة ومفككة"، في إشارة واضحة إلى أنها تخضع للنفوذ المصري وتتوافق مع موقفها... وكذلك اشار البيان الى جملة قاطعة مفادها أن: "إثيوبيا ليست ملزمة بطلب إذن من أحد للتصرف في مياه النيل"... وهذا امر مريب جدا وبهذا التوقيت. وبهذا التصريح، تعلن أديس أبابا بشكل غير مباشر أن النيل الأزرق أصبح "ملكية إثيوبية خالصة"، وتعتبر الاتفاقيات الدولية مجرد "عقلية استعمارية"، مما يُعد دفنًا كاملًا للمسار الدبلوماسي للتفاوض.

 

 

·     الرد المصري على إثيوبيا

 

تصريح وزير الخارجية المصري بأن مصر "لم تعد راغبة في تفاوض جديد" يحمل دلالات عميقة.. أهمها:

اولا: فشل المسار الدبلوماسي: يشير هذا إلى أن القاهرة تعتبر أن جميع جولات المفاوضات السابقة، سواء الثنائية أو بمشاركة وسطاء دوليين (مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأفريقي)، قد وصلت إلى طريق مسدود أو لم تحقق الأهداف المصرية الأساسية، وهي التوصل إلى اتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل السد.

ثانيا: تغيير الاستراتيجية: الإعلان عن عدم الرغبة في تفاوض جديد ليس مجرد تراجع عن طاولة المفاوضات، بل هو إشارة رسمية لتغيير الاستراتيجية من "التفاوض اللانهائي" إلى "الضغط والتنفيذ". فقد ترى مصر أن التفاوض أصبح يُستخدم من الجانب الإثيوبي لكسب الوقت واستكمال عمليات الملء دون قيود.

ثالثا: الحد الأدنى للقبول: يوضح التصريح أن مصر لن تعود للتفاوض إلا إذا تم تلبية شروط جوهرية ومسبقة تضمن جدية العملية، وإلا فإنها تعتبر أن زمن الحديث قد انتهى.

 

 

·     ما المقصود ب "تفعيل الخيارات المصرية الأخرى"؟

العبارة "الانتقال إلى مرحلة تفعيل الخيارات الأخرى" هي تعبير دبلوماسي يعني اللجوء إلى أدوات ضغط غير تفاوضية لتحقيق الأهداف، وهذه الخيارات تتنوع بين الدبلوماسية النشطة، الضغط الاقتصادي، والتحركات العسكرية (التي قد تكون مباشرة أو غير مباشرة)... وهي كالاتي:

واحد: تطويق إثيوبيا: يعني هذا الضغط السياسي والدبلوماسي والإقليمي على أديس أبابا عبر حلفاء مصر في المنطقة وعواصم القرار الدولية. يهدف هذا إلى إقناع المجتمع الدولي بأن الموقف الإثيوبي غير مسؤول ويعرض الأمن والسلم الإقليميين للخطر، مما يؤدي إلى ممارسة ضغوط اقتصادية أو سياسية على إثيوبيا.

اثنان: نشر القوات المصرية بالقرب من حدودها: هذا هو الجانب الأكثر حساسية. هذا النوع من التحرك يُرسل رسالة ردع قوية وواضحة إلى إثيوبيا مفادها أن مصر مستعدة لاستخدام القوة للحفاظ على أمنها المائي.

 

 

 

·     الخلاصة

إن تزامن هذا التصعيد في التصريحات من تل أبيب وأديس أبابا ضد مصر يشير إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد تصعيدًا كبيرًا يتم التخطيط له ضد مصر، وضد القضية الفلسطينية بهدف تصفيتها النهائية.

يسعى نتنياهو، في وضع سياسي متأزم، إلى توسيع دائرة الصراع وخلق أزمة مع مصر للنجاة بنفسه، بينما تحاول إثيوبيا استغلال الموقف لفرض الأمر الواقع في ملف سد النهضة.

المنطقة تستعد لحدث كبير، لكن يجب تذكير الأطراف التي تحاول إشعال النار بأن "النار أحيانًا تحرق من يجرؤ على أن يشعلها، وحينها لا يلومن إلا نفسه."

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف