
كتب عبده بغيل | وكالة العرب
في قلب المحافظات الشرقية والجنوبية لليمن، وتحديداً في حضرموت والمهرة، تدور رحى "تصعيد محسوب" فخلف غبار المدرعات والتعزيزات القادمة من خلف الحدود، ترتسم ملامح مرحلة جديدة من إعادة هندسة المشهد اليمني، حيث يبدو أن الاحتلال السعودي الاماراتي
قد انتقلتا من مرحلة "إدارة الأزمة" إلى مرحلة "تقاسم السيادة" وتثبيت مربعات النفوذ، بعيداً عن صخب المواجهات المفتوحة.
تحركات الميدان: سباق المواقع أم تبادل الأدوار؟
تتصاعد وتيرة التحشيد العسكري في مشهد يوحي للوهلة الأولى بقرب الصدام؛ إذ دفعت السعودية بتعزيزات ضخمة من ما يسمى قوات "درع الوطن"، مدعومة بآليات ثقيلة عبرت صحراء الربع الخالي لترابط على مشارف وادي وصحراء حضرموت. هذا التمدد السعودي جاء متناغماً —لا متصادماً— مع انسحاب وحدات تابعة لمليشيا الانتقالي مما يثير تساؤلات حول طبيعة التفاهمات الغائبة عن عدسات الإعلام.
في المقابل، لم تكن أبوظبي بعيدة عن المشهد، حيث دفع مرتزقتها من مليشيا الانتقالي بتعزيزات من "اللواء الرابع عمالقة" صوب مناطق استراتيجية كالعبر والخشعة. ورغم أن هذا الحراك يبدو في ظاهره استعراضاً للقوة، إلا أن القراءة الاحترافية للميدان تؤكد أنه لا يتعدى كونه "إعادة انتشار" ضمن سقف مرسوم سلفاً، يهدف إلى إحكام القبضة على الموارد النفطية وخطوط الإمداد الحيوية.
ما وراء الصراع: التوافق على التفكيك
إن ما يبدو تنافساً محموماً على السطح، يخفي في جوهره وحدة في الأهداف الاستراتيجية. فقد أثبتت أحداث إزاحة مسلحي "حزب الإصلاح" من حضرموت والمهرة أن هناك إرادة مشتركة لتطهير الساحة من الأدوات التقليدية لصالح قوى جديدة يسهل توجيهها.
وهنا تبرز الحقيقة الإنسانية والسياسية المرة: إن الصراع في شرق اليمن هو صراع على "إدارة النفوذ". حيث تلتقي الرياض وأبوظبي عند نقطة مفصلية تتمثل في منع تعافي اليمن الموحد، وتفكيك أواصره الجغرافية، بما يضمن بقاءه ساحة مفتوحة لتوازنات القوى الإقليمية.
أبعاد إقليمية: الخارطة الكبرى
لا يمكن فصل هذا "التصعيد المحسوب" عن السياق الإقليمي الأوسع؛ فالتنسيق الاحتلال السعودي الإماراتي العالي في المحافظات المحتلة في الشرق اليمني يشير إلى أن المشروع يتجاوز حدود الجغرافيا اليمنية. وإن إعادة هندسة هذه المنطقة الحيوية تأتي ضمن رؤية تهدف إلى دمج المنطقة في ترتيبات أمنية وجيوسياسية جديدة، تتقاطع في نهاياتها مع مصالح قوى دولية وإقليمية —من بينها "إسرائيل"— تسعى لضمان أمن الممرات المائية والموارد الطاقوية وفق خارطة مصالحها الخاصة.













