
الدكتور معراج أحمد معراج الندوي
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا - الهند
إن فوز زهران ممداني بمنصب عمدة لمدينة نيويورك، لحظة سياسية فارقة تعكس تحوّلات اجتماعية واقتصادية وصراعات أعمق حول توزيع السلطة والموارد في واحدة من أكثر المدن تأثيرًا في العالم، وهذا الفوز يعبر عن “انتصار للأمل” لكل من يؤمن بالإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية. هذا الفوز هو إعلان بأن الناس مستعدون للتغيير، وأنهم يريدون عدالة اجتماعية وشمولية سياسية، ويبشّرهذا الإعلان بعصرٍ جديد في الولايات المتحدة.
بهذا الفوز، لا يُنظر إلى ممداني كعمدةٍ جديدٍ لنيويورك فحسب، بل كرمزٍ لتحولٍ أعمق في المزاج الأمريكي، تحوّلٍ يشقّ صدعًا في العلاقة التقليدية بين واشنطن وتل أبيب، ويمنح صوتًا جديدًا لأولئك الذين يجرؤون على الحديث عن فلسطين من قلب المدن الأمريكية الكبرى.
عُرف هذا الشاب بانتقاده الشديد لسياسات إسرائيل، إذ وصف حربها على قطاع غزة بـ"الإبادة الجماعية". وفي عام 2021، كان أحد الأصوات القليلة في الجمعية التشريعية التي طالبت بوقف تمويل الشرطة التي تتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. لقد شارك ممداني في فعاليات مناصرة لفلسطين في نيويورك، وصوّت لاحقا ضد تشريعات يرى أنها تقيّد حرية التعبير الداعمة لحركة المقاطعة ودعا ممداني في أعقاب الحرب على قطاع غزة عام 2021 إلى "وقف غير مشروط للعنف الإسرائيلي ضد المدنيين". وقال "إن العدالة لا يمكن أن تتحقق في نيويورك في وقت نغض فيه الطرف عن الظلم في فلسطين".
لم يتراجع ممداني عن مواقفه، التي وصف فيها إسرائيل بأنها "نظام فصل عنصري"، والحرب في غزة بأنها "إبادة جماعية". وفي تصريحات حديثة، أكد ممداني: "سنبني بلدية لا تتوانى في مكافحة آفة معاداة السامية"، كما بدا مترددًا في البداية في إدانة شعار “عمّموا الانتفاضة”، الذي يرى فيه كثير من اليهود تهديدًا بسبب ارتباطه بالعنف خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين في الثمانينيات والألفية الجديدة. وقال خلال إحدى المناظرات: "أنا أترشح لعمدة نيويورك.. لا سفيرًا لـإسرائيل"، وتعهد بإصدار أمر اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حال فوزه بمنصب عمدة نيويورك.
وبعد فوزه جاءت ردود الفعل من إسرائيل فقال إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المتطرف من حزب “القوة اليهودية”، يتهم بأنه داعِمٌ لحماس، كارهٌ لإسرائيل، ومعادٍ للسامية ”. لقد شن الرئيسي الأمريكي دونالد ترتامب الحلمة ضده وكتب على منصته "تروث سوشيال" مهاجمًا المرشح الفائز، واصفًا إياه بأنه "يكره اليهود" بسبب مواقفه المؤيدة للفلسطينيين وانتقاداته الحادة للحرب الإسرائيلية على غزة.
على الجانب الآخر، شهدت المدن الفلسطينية ومخيمات الشتات احتفالات واسعة بفوز ممداني، الذي رآه كثيرون تحولًا سياسيًا داخل الولايات المتحدة حيث ينظر إنها ثورة يقودها الشباب وتحول تاريخي”. لقد وصف رئيس تحرير "رأي اليوم" عبد الباري عطوان الفوز بأنه "تسونامي التغيير وانتصار دماء الشهداء في غزة ولبنان واليمن"، معتبرًا أن الحدث يشكل "هزيمة ساحقة لإمبراطورية الضلال والإبادة التي يتزعمها نتنياهو وتابعة ترامب وبداية النهاية لعصر الهيمنة الصهيونية" وهي بداية صحوة وعي جديدة وبداية اندحار اليمين المتطرف والمتعصب في الولايات المتحدة والعالم وصعود جيل جديد من المناصرين للعدالة وفلسطين".
إن فوز زهران هو انعكاس لولادة جيل جديد يرى في العدالة قيمة عالمية لا تُحتكر من طرف واحد، ويعيد تعريف الأخلاق السياسية بمعايير إنسانية لا أيديولوجية. فهذا الفوز زهران ممداني من قلب أكبر معقل لليهود في العالم ليس حدثًا انتخابيًا وإعلان أن فلسطين أصبحت مقياس العدالة لا تهمة الخيانة، حيث يتجاوز هذا الفوز حدود مدينة نيويورك، ليعكس تحولًا عميقًا في وعي الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية.















