
محمود الجاف
يا أبناء هذه الأرض التي مرّت فوقها جِياد التاريخ، يا من ما زالت في صدوركم أنفاس أيامٍ غيّرت وجه الدنيا . إن القادسية لم تكن صليلَ سيوفٍ فقط، بل صحوةَ روح، وقيامَ عقلٍ قرّر ألّا يعيش في هامش الأمم . كان ذلك اليوم انتصارًا للإنسان على خوفه، وللنور على ظلاله، وللإرادة على كل ما حاول أن يُطفئها .
واليوم، في هذا التاريخ نفسه، ها نحن نقف على مفترق طرقٍ أشدّ من كل ساحات الأمس . تمزّقت الأرض التي أنجبت الفكر، وتعثّر العقل الذي حمل نور الحضارة، وتجوّلت الخرافة في طرقاتنا تبحث عن عقلٍ غافل، وتربّعت الرجعية على أبواب الغد .
ومع ذلك،
ما زال في التراب دفءُ خطى الأجداد، وفي الهواء صدى أصواتهم، وما زال فيكم - إن أصغيتم - قلبٌ يشبههم، لا يعرف الانكسار .
تذكّروا، وباختصار يليق بالحقائق الكبرى :
إن الأمم تُهزم يوم تُحتل عقولها، لا يوم تُحتل أراضيها .
وأول معركة في هذا الزمن ليست معركة سيف، بل معركة وعي. ليست صرخة في ساحة، بل فكرة في عقل. وليس نهوضًا إلى حرب، بل نهوضًا إلى مستقبل يليق بأيامكم .
يا أبناء هذه الأمة :
إن تاريخكم ليس صورةً تُعلّق، بل رسالة تُحمل .
ليس مدحًا للماضي، بل طريقًا للمستقبل .
فانهضوا…
ارفعوا عقولكم قبل راياتكم، ووحدتكم قبل خلافاتكم، وإيمانكم قبل خطواتكم.
ابنوا. فكّروا. أبدعوا. تقدّموا .
فهكذا ينتصر الإنسان، وهكذا تُولد الأمم من جديد .
إن القادسية اليوم ليست معركة سيوف، بل معركة إيمانٍ وعقل .
ومن انتصر فيهما، انتصر في كل شيء .














