
صرخة من أجل العدالة كم من المرات شاهدنا الظلم وهو يقع أمام أعيننا؟ كم من المرات سمعنا أنين المقهورين، ورأينا دموع المظلومين، بينما نقف نحن مكتوفي الأيدي، وكأن الأمر لا يعنينا؟ لقد أصبح من المحزن أن نرى هذا النزوع نحو الأنانية يتفاقم في مجتمعاتنا، حيث ينحصر اهتمام الكثيرين في ذواتهم، في مصالحهم الضيقة، متناسين أن العدل هو عماد بناء أي مجتمع سليم، وأن الظلم، إن لم يواجه، سيتسع ليطال الجميع.
إن العدالة ليست مجرد شعار نردده، بل هي مطلب أساسي لكل إنسان على وجه هذه الأرض. هي الضمان لكرامة الإنسان، وحقه في العيش بأمان وسلام. عندما يطال الظلم فردًا أو جماعة، فإنه يهز أركان المجتمع بأكمله. إنه ليس قضية فردية يمكن تجاهلها، بل هو جرح ينزف في جسد الأمة، ويجب أن نتحرك لضماده قبل أن يتفاقم.
لقد أوصانا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بوصية بليغة تلخص جوهر واجبنا تجاه الظلم والظالمين. فعندما قال: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، تعجب الصحابة من الجزء الثاني، وقالوا: "يا رسول الله، هذا نَنصره مظلومًا، فكيف نَنصره ظالمًا؟" فأجابهم صلى الله عليه وسلم بجواب جامع مانع: "تمنعه من ظلمه، فذلك نَصره إياه".
هذا الحديث الشريف يضع على عاتقنا مسؤولية عظيمة. فليس نصرة المظلوم تقتصر على رفع الظلم عنه بعد وقوعه فحسب، بل تمتد لتشمل منع الظالم من الاستمرار في ظلمه. هذا يعني أننا يجب ألا نكون مجرد متفرجين سلبيين. يجب أن نملك الشجاعة للوقوف في وجه كل ظالم، وأن نرفع صوتنا عاليًا في وجه الباطل، وأن نستخدم كل الوسائل المتاحة، سلمية كانت أم قانونية، لوقف هذا الظلم.
الظلم في القرآن الكريم: وعيد إلهي لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز من الظلم تحذيرًا شديدًا، مبينًا عواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة. فالظلم ليس مجرد مخالفة للقوانين البشرية، بل هو تعدٍ على حقوق الله وحقوق عباده، وهو سبب للشقاء في الدارين. إليك بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الظلم:
* وَعْدٌ إلهي بعدم الظلم:
* قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ (فصلت: 46). هذه الآية تؤكد عدل الله المطلق وأنه لا يظلم أحدًا مثقال ذرة.
* نهي صريح عن الظلم:
* قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (يونس: 44). هنا يوضح الله أن الظلم يقع من الإنسان على نفسه أو على غيره، وليس من الله.
* قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ (إبراهيم: 42). هذه الآية تهديد مباشر للظالمين وتطمير للمظلومين بأن حقهم لن يضيع.
* عواقب الظلم في الدنيا والآخرة:
* قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: 83). الظلم من أشكال الفساد والعلو في الأرض الذي يحرم الظالمين من نعيم الآخرة.
* قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227). وعيد شديد للظالمين بأنهم سيلقون جزاء ظلمهم يوم القيامة.
* قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا".
قد يرى البعض أن التدخل في شؤون الآخرين ليس من شأنهم، أو يخشون العواقب. ولكن تذكر أن الصمت على الظلم هو مشاركة فيه. كل لحظة نتردد فيها، وكل مرة نغض الطرف، تمنح الظالم قوة إضافية للاستمرار في بطشه.
دعونا نلتزم بمبدأ "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" ليس فقط بالقول، بل بالفعل. لنكن صوتًا للمظلومين، وسدًا منيعًا أمام الظالمين. فالمجتمعات لا ترتقي إلا بالعدل، والأمم لا تزدهر إلا حينما يشعر كل فرد فيها بالأمان من الظلم. متى سنقرر أن نتوقف عن التفرج ونبدأ في إحداث التغيير؟
