لا تضيعوها التعليم يصنع الغد

سبت, 10/18/2025 - 20:15

يوسف السعدي

من بين كل الثروات التي يمكن أن يمتلكها أي وطن، تبقى العقول المتعلمة هي أثمن ما لديه، فالمستقبل لا يُبنى بالموارد وحدها، ولا بالاقتصاد وحده، بل بالعلم والمعرفة التي تصنع قادة الغد ومبدعيه، وهنا يتجدد النداء: لا تضيعوها… لا تضيعوا فرصة الاستثمار في التعليم، لأنه المفتاح الحقيقي لكل نهضة.

إنّ المدرسة ليست جدرانًا ولا مقاعد فحسب، بل هي المصنع الذي تُصاغ فيه شخصية الإنسان، هي المكان الذي يتعلم فيه الطفل قيم المواطنة، مبادئ التفكير النقدي، وأدوات الإبداع، وكل ضعف في المدرسة هو شرخ في جدار المستقبل، وكل إهمال للمعلم هو إهمال لجيل بأكمله.

لقد أثبتت التجارب أن الأمم التي وضعت التعليم في صدارة أولوياتها هي التي تقدمت، حتى لو لم تكن غنية بالموارد الطبيعية، والعكس صحيح، فالمجتمعات التي أهملت مدارسها ومعلميها دفعت ثمنًا غاليًا من حاضرها ومستقبلها.

امم تقدمت لأنها جعلت التعليم اولوية منها

فنلندا، لا تملك فنلندا موارد طبيعية كبيرة، لكنها استثمرت في التعليم منذ منتصف القرن العشرين، ركزت على تدريب المعلمين، وجعل التعليم مجانيًّا وعادلًا للجميع، اليوم تُعدّ من أفضل الدول في جودة التعليم حسب تصنيفات PISA الدولية، ومستوى المعيشة فيها مرتفع جدًا.

اليابان، بعد الحرب العالمية الثانية كانت مدمَّرة اقتصاديًا وبشريًا، ركّزت على التعليم والانضباط والبحث العلمي، في غضون عقود قليلة أصبحت قوة صناعية وتكنولوجية عالمية رغم فقرها بالموارد الطبيعية.

كوريا الجنوبية، في خمسينيات القرن الماضي كانت من أفقر دول العالم، وضعت خطة وطنية لتطوير التعليم وربطته بالتكنولوجيا والصناعة، اليوم تُعدّ من الدول الرائدة في مجالات الإلكترونيات والابتكار والتعليم الرقمي.

سنغافورة، جزيرة صغيرة بلا موارد تقريبًا، اعتمدت على نظام تعليمي صارم وموجه نحو الكفاءة والإبداع، أصبحت واحدة من أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم.

على الجانب الاخر تشير التقارير الاقتصادية والتعليمية غالبًا إلى بعض الدول ذات الدخل المرتفع، والتي تعتمد بشكل أساسي على الموارد الطبيعية (كالنفط والغاز)، حيث قد تظهر فيها الظواهر التالية الثراء المالي تتمتع هذه الدول بناتج محلي إجمالي مرتفع للفرد بفضل عوائد الموارد الطبيعية، ما يضعها في فئة الدول "الغنية" ماليًا، الا أنها تعاني هذه الدول من "التخلف" في جوانب التنمية البشرية أو القدرة التنافسية غير النفطية، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بجودة التعليم.

إنّ التعليم هو الاستثمار الأطول أمدًا، لأنه لا يعطي ثماره في يوم وليلة، بل يبني أجيالًا قادرة على التفكير، الإنتاج، والتجديد. وهو الضمانة الوحيدة لعدم الارتهان للغير، والحفاظ على استقلال القرار الوطني.

من هنا، يصبح الشعار أكثر وضوحًا: لا تضيعوها. لا تضيعوا فرصة بناء جيل يقرأ، يفكر، ويبتكر. لا تسمحوا أن تتحول المدرسة إلى مجرد روتين يومي بلا روح، ولا تهدروا قيمة المعلم الذي يشكل العمود الفقري لأي نهضة حقيقية.

فالتعليم ليس واجبًا حكوميًا فقط، بل هو مسؤولية مجتمعية مشتركة، كل أسرة، كل مؤسسة، وكل مواطن شريك في هذه الرسالة، وإن حافظنا على مدارسنا ومعلمينا وأبنائنا، فإننا نضمن أن يكون المستقبل أكثر إشراقًا مما نحلم به

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف