هل ننتظر القائد المنقذ أم نبني الدولة بأيدينا؟

ثلاثاء, 09/23/2025 - 14:58


‏محمد النصراوي

‏مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية تتكاثر الوعود والشعارات، وتزدحم الشاشات والإعلانات بصور المرشحين وهم يقدمون أنفسهم كما لو كانوا مخلصين قادرين على قلب الموازين بين ليلة وضحاها، وكأن المشهد يعيد إنتاج أسطورة قديمة عرفناها في حكاياتنا وتراثنا: أن يأتي فارسٌ من الصحراء على حصان أبيض، يلوح بسيفه فينقذ الجميع من أزماتهم، لكن التاريخ القريب والبعيد علمنا أن هذا الخيال الجميل سرعان ما ينقلب إلى عبءٍ خانق، وأن انتظار المنقذ الفردي لا يورث إلا مزيداً من خيبات الأمل، وهنا يقف الناخب العراقي أمام سؤال وجودي لا مفر منه: هل نكرر الخطأ ونستسلم لإغراء صورة الزعيم المنقذ، أم نمضي في الطريق الأصعب والأكثر واقعية، طريق البناء بأيدينا الجماعية؟

إن أسطورة القائد المنقذ تبدو جذابةً لأول وهلة، لكنها في العمق وصفة للفشل، فالمشاكل التي تحاصر العراق اليوم ليست عُقدةً بسيطة يحلها قرار واحد أو توقيع واحد، بل هي شبكة متداخلة من الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، لا فرد مهما بلغت قدراته يستطيع أن يضع حلولاً لكل ذلك بمفرده، ما تحتاجه البلاد هو مؤسسات قوية، سياسات مستمرة، آليات عمل جماعي، لا معجزة شخصية، والأسوأ أن ثقافة انتظار المنقذ تحول المواطن إلى متفرجٍ عاجز، يرفع يده بالدعاء بدل أن يمدها بالفعل، يتنازل عن حقه في الرقابة والمحاسبة ويعلق مصيره بيد فردٍ قد يخطئ أو يستبد، ومن رحم هذه الثقافة وُلدت أنظمةٌ استبدادية كثيرة في العالم، استندت إلى هالة الزعيم الذي لا يُسأل ولا يُحاسب، وانتهت إلى تدمير الدولة بدل بنائها.

لكن البديل موجود، وإن كان أصعب، البديل هو أن نتحول من منطق الفرد إلى منطق الفريق، من البحث عن الشخص الكاريزمي إلى البحث عن البرنامج المتكامل، الناخب الواعي يسأل: هل يملك هذا التحالف رؤيةً واضحة؟ هل لديه فريقٌ قادر على التنفيذ؟ هل يعتمد على المؤسسات لا على مزاج فرد؟ هذا هو التحول المطلوب: أن نبحث عن من يبني مؤسسات قوية تضمن الاستمرارية وتحارب الفساد وتنجز المشاريع، لا عن من يبني هالةً شخصية سرعان ما تتبخر مع أول عاصفة، وما بعد التصويت لا يقل أهمية عن لحظة التصويت، فالمواطن الباني لا يضع قلمه في الصندوق ثم ينسحب إلى بيته، بل يتابع ويسائل ويشارك في المجتمع المدني ويطالب ممثليه بالإنجاز، هو شريكٌ في البناء، لا مجرد متفرج ينتظر معجزة.

أيها الناخب الكريم، إن ورقة الاقتراع التي تحملها ليست مجرد استمارة عابرة، إنها حجرٌ في جدار الوطن، وبصمتك عليها هي أداة بناءٍ حقيقية، فلا تهدرها في وهم القائد المنقذ، بل اجعلها استثماراً في مؤسسة قادرة على الصمود والتجدد، العراق لن يبنيه فرد، لكنه سيُبنى حتماً بجهود ملايين الأيادي الواعية والمسؤولة، قوته ليست في أسطورة بطلٍ وحيد، بل في تنوع أبنائه وطاقاتهم المتدفقة وإرادتهم حين تتوحد على هدف واحد.

العراق ليس بحاجة إلى فارس على حصان أبيض، بل إلى جيش من البنائين يحملون أدواتهم، أدواتهم هي أصواتهم ووعيهم وإرادتهم، فلنكن ذلك الجيش، ولنجعل من الانتخابات لحظة وعيٍ لا لحظة انتظار، ومن صوتنا أداةً لبناء الدولة لا جواز مرورٍ نحو وهمٍ جديد.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف