المدرب المحنط فكريا العقبة الكبرى امام التطور

أربعاء, 12/31/2025 - 20:56

 

 

 

الكاتب/ اسعد الدلفي

 

 

تستمر الأندية العراقية في التذبذب الفني على الساحة القارية, وتقدم كرة بائسة في الدوري محلي، معيدةً إلى الواجهة جدلاً قديماً متجدداً: إلى متى سنبقى نعتمد على "المدرب المحلي"!؟ الذي يرفض مواكبة قطار التطور التكتيكي العالمي؟

في الوقت الذي تحولت فيه كرة القدم في اغلب بقاع الارض إلى علم مُركّب يعتمد على تحليل البيانات، والضغط العكسي، وبناء اللعب الممنهج من حارس المرمى , لكن "مع الاسف" لا تزال غالبية الأندية العراقية تعيش في زمن الخطط الكلاسيكية، متمسكة بأسلوب الكرة الطويلة, واللعب المباشر, الذي يتجاهل خط الوسط. وهذا يعود غالباً لان المدرب المحلي يفتقر إلى الأفق التدريبي الواسع، ويُفضل الأفكار المحنَّطة والحلول السريعة غير المستدامة، مُضحياً بالبناء التكتيكي الحديث, مقابل تأمين الكرسي والحصول على النقاط بأي ثمن، مما يضع مستقبل الكرة العراقية في مأزق الجمود التكتيكي, أمام المدارس التدريبية المتقدمة.

 

 

 

·       لماذا تسيطر "الكرة الطويلة" على تكتيكات المدربين العراقيين؟

يُلاحظ المتابع لكرة القدم العراقية، سواء على مستوى الأندية في دوري نجوم العراق أو حتى في بعض مراحل المنتخبات الوطنية، هيمنة أسلوب اللعب المباشر, والذي يركز على تجاوز خط الوسط, بتمريرات طويلة نحو الثلث الأخير، بدلاً من انتهاج الأساليب الحديثة القائمة على بناء الهجمة من الخلف، والضغط العالي، والاستحواذ. ويعود هذا التفضيل إلى مجموعة من الأسباب الفنية والبنيوية والتدريبية المتشابكة.. ومنها: جودة الملاعب, حيث لان المدرب المحليين هم من يشرفون على تاسيس اللاعب لذلك نجد عدم جودة في اللاعبين, فلا يمكنهم رفع مستوى اللاعبين مما يجعلهم يصلون للاندية وهم يفتقرون اساسيات كرة القدم.

الامر الاخر هو غياب الإحصاء والتحليل الرقمي.. فان الدوري العراقي يفتقر بشكل عام إلى الاعتماد على الشركات العالمية لتحليل البيانات والإحصائيات المتقدمة, والتي تُستخدم في الدوريات العالمية لتقييم أداء اللاعبين وتطوير الخطط, ففي غياب البيانات الدقيقة، يميل المدرب إلى التكتيكات الأكثر وضوحاً وبساطة والأسهل في تقييمها بصرياً، والكرة الطويلة هي الأكثر وضوحاً في قياس خطورتها.

ثالثا: هو العقلية والموروث التدريبي.. حيث تأثرت الكرة العراقية منذ عقود بمدارس تدريبية كانت تعتمد على القوة البدنية والسرعة العمودية. هذه العقلية ترسخت في جيل من المدربين الذين لم يحظوا بفرص كافية للانخراط في دورات تدريبية متقدمة تواكب التطورات الأوروبية واللاتينية الحديثة (مثل فلسفات يورغن كلوب، بيب غوارديولا، أو تيكي تاكا), حيث يفضل المدرب العراقي ما يسمى بـ "اللعب العملي" و "تأمين النتيجة"، حيث يعتبر بناء اللعب من الخلف مخاطرة غير محسوبة قد تؤدي إلى هدف سهل للخصم.

 

 

 

·      مشاكل عميقة في المدرب واللاعب المحلي

يمتلك اللاعب العراقي عادةً خصائص بدنية ممتازة وقوة في الالتحامات والكرات الهوائية, ويجد المدرب أن أفضل طريقة لاستغلال هذه الميزة هي بتوجيه الكرة إلى مهاجم قوي كمحطة, أو استغلال الأطراف في الكرات العرضية، بدلاً من مطالبة اللاعبين بمهارات معقدة في التمرير تحت الضغط في مساحات ضيقة, مما يصيب الكرة العراقية في مقتل (التخلف الكروي).

مع ان الأسلوب الحديث يتطلب لاعب وسط محوري يمتلك قدرات عالية في الرؤية، والضغط، والدقة العالية في التمرير تحت ضغط الخصم (مثل أدوار تشافي أو مودريتش), لكن في العراق يواجه المدربون صعوبة إيجاد هذا النوع من اللاعبين، أو عدم توفر الوقت الكافي لتأهيلهم، لذلك يدفع المدرب إلى تجاوز هذه المنطقة عبر الكرة الطويلة، معتمداً على السرعة والتحول المباشر.

المشكلة الاخرى هي ثقافة "إقالة المدرب" السريعة.. حيث تتميز الأندية العراقية كحال أغلب الأندية العربية، بتغيير المدربين بشكل سريع جداً بمجرد تذبذب النتائج. هذا الضغط الهائل على المدرب يجعله يختار التكتيك الأكثر أمناً، وهو الدفاع المتراجع واللعب المباشر. والذي يمثل شكل من اشكال التخلف الكروي.

ومشكلة اخرى هي اللعب على "النقطة الواحدة".. كما يذكر بعض المحللين، فإن عقلية "الحصول على نقطة واحدة أفضل من خسارة ثلاث نقاط" تجعل المدرب يتبنى خططاً دفاعية بحتة، ويجعل اللعب المباشر أداة للهجمات المرتدة السريعة بدلاً من الاستحواذ الطويل الممل.

 

 

·      الحلول التي نقترحها

إن معالجة "الجمود التكتيكي" لدى المدرب المحلي وضعف الجودة الفنية للاعب المحلي, تتطلب خطة شاملة تبدأ من القواعد مروراً بالتدريب والتأهيل وصولاً إلى تطبيق الاحترافية.

أولاً: تطوير المدرب المحلي: لتحويله من مُنفذ إلى مُبتكِر, حيث يجب التركيز على تفكيك الأفكار القديمة ودمج المفاهيم الحديثة من خلال إلزامية التعليم المستمر ومواكبة الرخص العالمية..

 

ثانيا: تحديث الرخص التدريبية: حيث يجب على الاتحاد العراقي لكرة القدم (بالتعاون مع الاتحاد الآسيوي) تفعيل دورات تدريبية مستمرة لـ رخص A و Pro مع التركيز على المنهجيات الأوروبية الحديثة.

 

ثالثا: فرض التطوير:  يجب ربط تجديد الرخص التدريبية سنوياً بحضور ورش عمل إلزامية متخصصة في مجالات مثل تحليل البيانات, والضغط العكسي, والبناء من الخلف .

 

رابعا: استضافة خبراء:  عبر دعوة مدربين أجانب متخصصين في المناهج الحديثة لتقديم دورات مكثفة للمدربين المحليين لكسر حاجز اللغة وتبادل الخبرات.

 

خامسا: اعتماد تحليل البيانات كأداة أساسية: عبر إلزام الأندية بتعيين محلل أداء متخصص ضمن الكادر التدريبي، وتدريب المدربين المحليين على قراءة تقارير الأداء الفردية والجماعية, بدلاً من الاعتماد فقط على الملاحظة البصرية.

 

سادسا: توفير الحماية للمدربين ذوي الفكر الحديث: عبر عقود طويلة الأمد, ,تشجيع الإدارات على توقيع عقود لا تقل عن موسمين أو ثلاثة مواسم مع المدربين الذين يتبنون مشروعاً فنياً يعتمد على تطوير الناشئين وبناء أسلوب لعب واضح... مع وضع معايير فنية واضحة للإقالة مرتبطة بتحقيق مؤشرات أداء تكتيكية، وليس فقط بنتائج المباريات.

 

سابعا: تطوير "عقلية اللاعب عبر تخصيص حصص تدريبية للجانب النفسي والعقلي.. وتعليم اللاعب الانضباط التكتيكي والاحترافي داخل وخارج الملعب، والتكيف مع الضغط العالي.

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف